سورة التوبة - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


{الأعْرَابُ} أي: أهل البدو، {أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا} من أهل الحضر، {وَأَجْدَرُ} أخلق وأحرى، {أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} وذلك لبعدهم عن سماع القرآن ومعرفة السنن، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ} بما في قلوب خلقه {حَكِيمٌ} فيما فرض من فرائضه.
{وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا} قال عطاء: لا يرجو على إعطائه ثوابا، ولا يخاف على إمساكه عقابا، إنما ينفق خوفا أو رياء والمغرم التزام ما لا يلزم. {وَيَتَرَبَّصُ} وينتظر {بِكُمُ الدَّوَائِرَ} يعني: صروف الزمان، التي تأتي مرة بالخير ومرة بالشر. وقال يمان بن رئاب: يعني ينقلب الزمان عليكم فيموت الرسول ويظهر المشركون، {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} عليهم يدور البلاء والحزن. ولا يرون في محمد ودينه إلا ما يسوءهم.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: {دَائِرَةُ السَّوْءِ} هاهنا وفي سورة الفتح، بضم السين، معناه: الضر والبلاء والمكروه. وقرأ الآخرون بفتح السين على المصدر. وقيل: بالفتح الردة والفساد، وبالضم الضر والمكروه.
{وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} نزلت في أعراب أسد وغطفان وتميم. ثم استثنى فقال: {وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} قال مجاهد: هم بنو مُقَرِّن من مزينة. وقال الكلبي: أسلم وغفار وجهينة.
أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري، أنبأنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار، أنبأنا أبو بكر محمد بن زكريا العذافري، أنبأنا إسحاق بن إبراهيم الدَّبَرِيُّ، أنبأنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسلمُ وغِفَارٌ وشيءٌ من جُهَيْنَةَ ومُزَيْنَةَ خيرٌ عند الله يوم القيامة من تَميمٍ وأسدِ بن خُزَيْمَةَ وهَوَازِنَ وغَطَفَانَ».
{وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ} القربات جمع القربة، أي: يطلب القربة إلى الله تعالى، {وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} أي: دعاءه واستغفاره، قال عطاء: يرغبون في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم. {أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ} قرأ نافع برواية ورش {قُرُبة} بضم الراء، والباقون بسكونها. {سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ} في جنته، {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.


{وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ} الآية. قرأ يعقوب بالرفع عطفا على قوله: {والسابقون}.
واختلفوا في السابقين الأولين، قال سعيد بن المسيب، وقتادة، وابن سيرين وجماعة: هم الذين صلُّوا إلى القبلتين.
وقال عطاء بن أبي رباح: هم أهل بدر.
وقال الشعبي: هم الذين شهدوا بيعة الرضوان، وكانت بيعة الرضوان بالحديبية.
واختلفوا في أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد امرأته خديجة، مع اتفاقهم على أنها أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال بعضهم: أول من آمن وصلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو قول جابر، وبه قال مجاهد وابن إسحاق، أسلم وهو ابن عشر سنين.
وقال بعضهم: أول من آمن بعد خديجة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وهو قول ابن عباس وإبراهيم النخعي والشعبي.
وقال بعضهم: أول من أسلم زيد بن حارثة، وهو قول الزهري وعروة بن الزبير.
وكان إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يجمع بين هذه الأقوال فيقول: أول من أسلم من الرجال أبو بكر رضي الله عنه، ومن النساء خديجة، ومن الصبيان علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومن العبيد زيد بن حارثة.
قال ابن إسحاق: فلما أسلم أبو بكر رضي الله عنه أظهر إسلامه ودعا إلى الله وإلى رسوله، وكان رجلا محببا سهلا وكان أنسب قريش وأعلمها بما كان فيها، وكان تاجرا ذا خُلقٍ ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر؛ لعلمه وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه، فأسلم على يديه- فيما بلغني-: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، فجاء بهم إلى رسول صلى الله عليه وسلم حين استجابوا له فأسلموا وصلوا، فكان هؤلاء الثمانية النفر الذين سبقوا إلى الإسلام. ثم تتابع الناس في الدخول في الإسلام، أما السابقون من الأنصار: فهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، وكانوا ستة في العقبة الأولى، وسبعين في الثانية، والذين آمنوا حين قدم عليهم مصعب بن عمير يعلمهم القرآن، فأسلم معه خلق كثير وجماعة من النساء والصبيان.
قوله عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ} الذين هاجروا قومهم وعشيرتهم وفارقوا أوطانهم. {وَالأنْصَارِ} أي: ومن الأنصار، وهم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه من أهل المدينة وآووا أصحابه، {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} قيل: هم بقية المهاجرين والأنصار سوى السابقين الأولين.
وقيل: هم الذين سلكوا سبيلهم في الإيمان والهجرة أو النصرة إلى يوم القيامة.
وقال عطاء: هم الذين يذكرون المهاجرين والأنصار بالترحم والدعاء.
وقال أبو صخر حميد بن زياد: أتيت محمد بن كعب القرظي فقلت له: ما قولك في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة محسنهم ومسيئهم، فقلت من أين تقول هذا؟ فقال: يا هذا اقرأ قول الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ} إلى أن قال: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} وقال: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} شرط في التابعين شريطة وهي أن يتبعوهم في أفعالهم الحسنة دون السيئة.
قال أبو صخر: فكأني لم أقرأ هذه الآية قط.
روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه».
ثم جمعهم الله عز وجل في الثواب فقال: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ} قرأ ابن كثير: {من تحتها الأنهار}، وكذلك هو في مصاحف أهل مكة، {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.


قوله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأعْرَابِ مُنَافِقُونَ} وهم من مُزينة وجُهينة وأشجع وأسلم وغفار، كانت منازلهم حول المدينة، يقول: من هؤلاء الأعراب منافقون، {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ} أي: ومن أهل المدينة من الأوس والخزرج قوم منافقون، {مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} أي: مرنوا على النفاق، يقال: تمرد فلان على ربِّه أي: عتا، ومرد على معصيته، أي: مرن وثبت عليها واعتادها. ومنه: المريد والمارد. قال ابن إسحاق: لجوا فيه وأبوا غيره.
وقال ابن زيد: أقاموا عليه ولم يتوبوا.
{لا تَعْلَمُهُمْ} أنت يا محمد، {نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} اختلفوا في هذين العذابين.
قال الكلبي والسدي: قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا يوم الجمعة فقال: «اخرج يا فلان فإنك منافق اخرج يا فلان. أخرج ناسا من المسجد وفضحهم، فهذا هو العذاب الأول. والثاني: عذاب القبر».
وقال مجاهد: الأول: القتل والسبي، والثاني: عذاب القبر. وعنه رواية أخرى: عُذِّبُوا بالجوع مرتين.
وقال قتادة: الدُّبَيْلة في الدنيا وعذاب القبر.
وقال ابن زيد: الأولى المصائب في الأموال والأولاد في الدنيا، والأخرى عذاب الآخرة.
وعن ابن عباس: الأولى إقامة الحدود عليهم، والأخرى عذاب القبر.
وقال ابن إسحاق: هو ما يدخل عليهم من غيظ الإسلام ودخولهم فيه من غير حسبة ثم عذاب القبر.
وقيل: إحداهما ضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم عند قبض أرواحهم، والأخرى عذاب القبر.
وقيل: الأولى إحراق مسجدهم، مسجد الضرار، والأخرى إحراقهم بنار جهنم. {ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} أي: إلى عذاب جهنم يخلدون فيه.

11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18